أثارت مسألة صيام الأطفال في سن صغيرة جدلا واسعا عبر منصات التواصل الاجتماعي، فبينما يدعو البعض إلى إجبارهم على صوم نهار رمضان، عارض البعض الآخر هذه الفكرة. لتقطع دار الإفتاء المصرية الشك باليقين بمنشور عبر صفحتها الرسمية يوم الأحد الموافق 26 مارس/آذار الجاري، تقول فيه، "ندعو إلى عدم إجبار الأطفال على إكمال الصيام إلى آخر النهار؛ لأنهم غير مكلَّفين؛ إنما يراعى التدريج في ذلك".
ولكن كيف يتدرج الطفل في الصيام؟ وهل يوجد سن معينة لا بد أن يبدأ فيها الصغير في الصيام، وهل توجد حالات يمنع فيها الطفل من الصوم؟ وكذلك ما الظروف التي تساعد الأطفال؟
تجيب عن هذه الأسئلة ، دكتورة عائشة صقر، أخصائية التغذية العلاجية والسمنة في مستشفى العمادي بالدوحة، فتقول إنه بداية يجب أن نعلم أن مرحلة الطفولة تتراوح بين عمر اليوم الواحد إلى 18 سنة، وهي مرحلة الطفولة التي تم تعريفها عالميا، مشيرةً إلى عدم وجود سن معينة يجب أن يصوم فيها الطفل لأن ذلك يعتمد على قدرة الأطفال على الصوم والتي تختلف بناء على العمر والقدرة البدنية والصحية.
أما بخصوص التدرج في الصوم الذي أشارت إليه دار الإفتاء المصرية، فتقول صقر، إن ذلك يعتمد على حالة الطفل الجسدية والصحية وعمره، فلو اعتبرنا أن لدينا طفلا سويا فإن العمر المناسب للبدء في التدرج في الصيام هو 5 إلى 6 سنوات، على أن يبدأ الطفل بالامتناع عن الطعام والشراب مدة 4 ساعات يوميا. وأن يزيد ذلك تدريجيا وصولا إلى 6 ساعات ومن ثم 8 ساعات حتى صيام اليوم كاملا حسب سهولة الأمر وصعوبته بالنسبة للطفل وكذلك حسب تقدير الأم.
وتضيف أن الطفل قد يحتاج إلى سنوات من التدرج في الصيام فقد يبدأ على سبيل المثال عند سن الخمس سنوات فيصوم 4 ساعات ومن ثم يزيد إلى 6 ساعات عند سن الست سنوات وهكذا. في حين أن هناك أطفالا لديهم القدرة على تحمل الصيام لفترة طويلة ويمكنهم صوم اليوم كله منذ عمر صغير مع الأخذ في الاعتبار أنه يجب تغذيتهم جيدا وبشكل فائق ومركز وقت الإفطار.
توجد بعض الأمور كذلك التي تساعد الطفل على صيام فترة أطول، مثل نصح الطفل بأخذ قدر من الراحة، حيث يتم صرف جزء أقل من الطاقة والمحافظة على قدرته على استمرار الصيام.
تقول دكتورة عائشة إننا لا نستطيع القول أن سن 7 سنوات أو 9 سنوات هو السن المناسبة للصيام، لأن الطفل قد يصل إلى سن 12 سنة ويكون ما زال غير مؤهل للصيام وفقا لقدرته الجسدية وطاقته ووضعه الصحي وكذلك تقبله للصيام.
قد نجد كذلك أن هناك طفلا يكون قادرا على صوم يوم رمضاني كامل، في حين أن طفلا في نفس العمر لا يستطيع القيام بذلك.
هناك أيضا بعض الأطفال ممن يستطيعون صوم بعض الأيام ولا يستطيعون الاستمرار في ذلك طوال الشهر، حيث تختلف قدراتهم خلال الأيام المختلفة. وهنا لا مانع من مراعاة الأم لوضع طفلها الصحي وقدرته المتغيرة بحيث يصوم بعض الأيام ولا يصوم أياما أخرى، فيصبح هناك توازن فيما يتعلق بصحة الطفل ولا يمثل ذلك ضغطا عليه.
تقول دكتورة عائشة، إنه عند إفطار الطفل بعد صيام الـ4 ساعات أو المدة التي استطاع صومها، يجب مده بنوع معين من الطعام وهو هنا السكريات البسيطة، لأنها علميا تمثل الغذاء الأول للدماء، ولحصول الطفل على السكريات البسيطة يجب منحه التمر أو العسل أو الفواكه الطبيعية أو الحليب أو أي مصدر آخر للسكريات، لأن ذلك يمد الدماغ بالطاقة المطلوبة ويستعيد الطفل نشاطه.
أما بالنسبة لوجبة السحور، فإن الطفل يحتاج إلى وجبة غذائية متوازنة تمده بالطاقة اللازمة فترة الصيام. ويفضل هنا تناول الأطعمة التي تأخذ فترة أطول في الهضم وتبقى في المعدة فتساعد الطفل على الشعور بالإشباع وعلى رأسها المواد البروتينية مثل تناول البيض والأجبان والحمص أو الألبان وهي مصادر طبيعية للبروتين.
يجب أن تحتوي وجبة السحور كذلك على قطعة من الخبز الغني بالألياف أو الكينُوَا أو الأرز أو المعكرونة أو البرغل. وهي نشويات معقدة تمد الجسم بالطاقة إضافة إلى أنها تبقى في المعدة فترة أطول من النشويات البسيطة التي يتم امتصاصها سريعا.
يجب أن يحتوي سحور الطفل كذلك على المعادن مثل التمر والمشمش المجفف ومشروب قمر الدين أو الموز.
من المهم كذلك التركيز على شرب كمية كافية من السوائل خلال الفترة الكاملة من بعد أذان المغرب وحتى السحور وليس خلال فترة السحور فقط.
هناك أطفال لديهم نشاط حركي عال وهم يحتاجون إلى طاقة أكثر وقد يمثل الصيام بالنسبة إليهم تحديا أكبر مقارنة بالأطفال الآخرين.
توجد كذلك بعض الحالات المرضية التي لا يستطيع الطفل الصيام فيها أو يجد تحديا أكبر للصيام مثل إصابة الطفل بفقر الدم، وهي من أكثر الأمراض شيوعا بين الصغار بالفعل. وفي هذه الحالة يجب على الأم مراقبة الطفل وأن تسمح له بالصيام أوقاتا قليلة فقط ومن ثم يتناول الطعام المليء بالطاقة والفيتامينات والمعادن التي يحتاجها جسمه.
بالنسبة للأطفال المصابين بالسكري فيجب عليهم عدم الصيام نهائيا إلا بعد الرجوع إلى الطبيب.
وتؤكد أخصائية التغذية العلاجية أن القاعدة الشرعية بالنسبة للصيام أنه "لا ضرر ولا ضرار" وإذا وجدنا أن هناك ضررا سيلحق بالطفل يجب منعه من الاستمرار في الصيام. أو أن يصوم ساعات قليلة فقط حتى نربيه على مبدأ الصيام ولكن مع الحذر من إلحاق أي ضرر بحالته الجسدية.
إضافة إلى ذلك، تقول دكتورة عائشة إن الدراسة خلال شهر رمضان تستلزم الكثير من الطاقة، وقد يكون أداء الامتحانات في شهر رمضان من الأمور الصعبة، وهنا ننصح الأمهات بعدم الإصرار على صيام أطفالهن، كما أن الأطفال غير مكلفين بالصيام ولكن الأم مكلفة بخلق وتطوير الناحية الدينية في أنفس أطفالها انطلاقا من قاعدة لا ضرر ولا ضرار.
الأم هي الشخص الأكثر قدرة على تمييز إمكانية طفلها على تحمل الصيام من عدمه، ويجب عليها مراقبة الطفل بشكل دقيق خصوصا عندما يصوم لأول مرة.
وإذا شعرت الأم باصفرار في وجه طفلها أثناء الصيام أو جفاف شديد على شفتيه فهذا دليل على الإرهاق وحاجته إلى السوائل. كذلك إذا شعرت الأم بوجود درجة متقدمة من الإعياء لدى الطفل. يجب أن تبادر بمد طفلها بأي مصدر للسوائل والسكريات لتغطية النقص.