تحريــر : أ/محمد محيميد
اسمح للمسامحة أن تحرّرك
من الصعب مسامحة شخص ما عندما يجرحِك، فبالإضافة لشعورِك بالغضب والإحباط، سترغبين أن يشعر الشخص بنفس الألم الذي تشعرين به. ولكن ذلك لن يغير شيئا ولن يجعل الأمور أفضل. إذ لن يصلح أي قدر من الغضب والكراهية ما قد تضرّر .
في الواقع ، كلما زادت المشاعر السلبية التي تتمسكين بها ، زادت صعوبة الشعور بالتحسن، والمسامحة فقط ستمكنكِ من تحرير نفسك وعقلك لإيجاد حل للخروج من هذا الموقف.
عندما تمرين بمراحل الغفران، ستتمكنين من إصلاح العلاقات وإنقاذها. عندما تعرفين كيف تسامحين شخصاً وتتغلب على المرارة التي خلّفها الموقف، سيكون ذلك مفيدًا للغاية.
ولكن من الواجب التذكير أن الغفران يكون دائماً اختيار وليس إكراهاً، وعندما تختار أن تسامح شخصًا أساء إليك، فإن تصرفات وأفعال الشخص الآخر تفقد تأثيرها على روحك وعقلك لأن الغفران تعبير عن سيطرتنا الشخصية على أفكارنا ومشاعرنا وحياتنا.
إن مسامحة الآخرين ليست أمراً هيّناً. لكننا نحتاج إلى الغفران لأنه يحررنا من الألم والكراهية والسلبية. وفيما يلي سنرى المراحل الأربع لعملية الغفران.
مراحل الغفران الأربع:
أن تقولين أنك سامحت شخصا ما أسهل من مسامحته فعلاً، وربما هذا ما يسبب إساءة فهم معنى الغفران في كثير من الأحيان.
إن مسامحة الآخرين عمليّة وليست شيئاً يمكنك القيام به على الفور. وقد تطورت نظرية مراحل الغفران الأربع على يد عالم النفس المرخص الدكتور روبرت إنرايت الذي أنشأ نموذجاً شاملاً يمكن أن يسمح لنا بفهم العملية بشكل أفضل وتطبيقها في حياتنا بشكل أكثر فعالية.
ويعتقد إنرايت أن المسامحة هي الخطوة الأولى لشفاء نفسك عندما تكون في أسوأ حالاتك. وبعد إجراء عدّة دراسات مختلفة ، طور إنرايت نموذجا يمكن تلخيصه في المراحل الأربع التالية:
المرحلة 1: الكشف:
تتطلب المرحلة الأولى من عملية الغفران أن تتعرفي على ألمك الداخلي وتتعايشي معه وتعالجيه.
عبّري عن مشاعرك وحاولي التعرف عليها. فكري في الأشياء التالية:
-الشخص الذي جرحك
-الطريقة التي تأذيت بها
-ما الذي جعل هذه التجربة مؤلمة للغاية بالنسبة لك؟
-كيف تصفين مشاعرك بدقة؟
-كيف ستؤثر هذه التجربة على علاقتكِ بذلك الشخص؟ تجبرك هذه المرحلة على مواجهة مشاعرك ومواجهة التجربة والألم الداخلي لفهم ما تمرين به تمامًا.
وعندما تتمكنين من فهم الموقف ومن فهم عواطفك بشكل كامل، يمكنك بدء عملية الغفران التي ينبغي أن تمكننا من التعامل مع جميع المشاعر السلبية مثل الغضب والقلق وتدني احترام الذات وانعدام الثقة.
وكلما زاد الألم الذي عانيت منه احتجت أكثر إلى مسامحة نفسك والآخرين من أجل تحقيق الشفاء العاطفي.
المرحلة 2: اتخاذ القرار:
بمجرد التعامل مع مشاعرك الداخلية ، يمكنك الآن بدء عملية الغفران. إن اتخاذ قرار فعلي بمسامحة شخص أساء إليك هو إحدى المراحل الأساسية للمسامحة الفعلية.
ورغم أنه ينبغي علينا اختيار مسامحة شخص ما، إلا أنها غالباً ما تكون عملية طبيعية.ففي معظم الأوقات، نقرر مسامحة الآخر لأننا أدركنا في وقت ما أن المشاعر السلبية لا تفيدنا بأي شكل من الأشكال. اتخاذ القرار يسرّع عملية الشفاء الذاتي.
تبدأ المرحلة الثانية عندما ندرك أن الغضب أو الاستياء لا يجعلنا نشعر بتحسن تجاه ما حدث.
نحن بحاجة إلى الغفران لأن مثل هذه المشاعر الصعبة والمدمرة يمكن أن تؤثر على صحتنا الجسدية واستقرارنا العقلي وتوازننا العاطفي وتمنعنا من بناء العلاقات.
ورغم أنك قد تشعرين بإحساس بالسيطرة أو القوة عندما ترفضين أن تغفري للآخرين، إلا أنّ إخفاء الألم الداخلي والتظاهر بأنك بخير ليس سوى خداع لنفسك.
قد يشعركِ الانتقام بالرضا في الوقت الحالي ، لكنه في النهاية سيلحق بك ضررًا عقليًا وعاطفيًا أكثر مما تتخيلين
لا يمكنك أبدًا أن تتخلصي من ألمك عن طريق إعادته إلى من أذاك. يمكنك فقط تخفيف الألم عن طريق مسامحة الآخرين والتخلي عن غضبك. الغفران يشمل معاني الرحمة والتعاطف والخير.
الغفران لا يعني نسيان ما فعله بك الآخرون أو التظاهر بأنهم لم يؤذوك، ولكنّ الأمر يتعلّق بكونك قرّرت أن تتجاوزي وأن تكوني أقوى.
المرحلة 3: العمل:
تستلزم هذه المرحلة إعادة صياغة قصتك واكتساب منظور جديد وإلقاء نظرة على الحادث من وجهة نظر الشخص الذي آذاك.
يمكن أن يساعدك هذا في أن اكتساب نظرة أكثر موضوعية و فهم أفضل للموقف، يمكن أن يساعدك هذا أيضا في إدراك الشيء الذي أدى فعليا للموقف الذي عشته.
هذه إحدى مراحل التسامح التي تتيح لك أن تكون أكثر تعاطفاً ورحمة وإنسانية.
وهي المرحلة التي تجعلك تقبلين كون ألمك الداخلي جزءاً من الحياة وتتخلين عن أي ذرة من الغضب أو الكراهية التي تحملها بداخلك. في هذه المرحلة، تختارين الاعتراف بألمك لفترة وجيزة من الوقت ثم تحولين تركيزك الكامل للتخلي عن تلك المشاعر الصعبة أو إصلاح العلاقة من خلال العمل على حل المشكلة.وبغض النظر عما ستفعلينه، فإن قرار الغفران سيغير مسار حياتك نحو الأفضل.
المرحلة 4: التعمّق:
بعد أن تبدأي العمل على مسامحة شخص أساء إليك، ستختبرين فوائد التخلص من المشاعر السلبية على غرار الاستياء والغضب والقلق.
سيساعدك هذا أيضاً على فهم المعنى الحقيقي وراء تجربتك السلبية ومعاناتك.
ستدركين كيف أدت هذه التجربة بأكملها إلى تحرير نفسك الداخلية وكيف تطورت كإنسان وكيف ارتقى قلبك وعقلك وروحك.
كل هذا يأتي مع قدرتك على الغفران.
يمكن أن يكون البحث عن المعنى وراء معاناتنا عونًا كبيرًا لأنه يساعدنا على الشعور بالغاية من الحياة.
الغفران قد يجعل الناس أكثر مرونة أو شجاعة، بينما قد يجد البعض منا أن تجربته السلبية أو المؤلمة قد غيرت وجهة نظره في الحياة.
المرور بمراحل الغفران ومسامحة الآخرين على أخطائهم تساعدنا على الشفاء نفسياً وعاطفياً. وربما يكون الغفران أفضل طريقة للرد على موقف مؤلم.
اختاري الغفران:
بعد أن تعرّفنا على مراحل الغفران، لعلّنا نفهم بشكل أوضح كيف يمكن لمسامحة الآخرين حقًا أن تحسّن حياتنا وتشفينا، حيث يسمح لنا الغفران بتحويل الأذى إلى أمل وتحويل الألم إلى سلام داخلي.
ورغم ذلك، فإن الأمر يعتمد على اختيارنا أن نغفر للشخص الآخر أم لا ولكن يجب أن نفهم وندرك قوة اختيارك الشخصي ومدى أهمية استخدام هذا الخيار لصالح صحتك العقلية والعاطفية، يمكّننا الألم من النضج واكتساب وعي جديد وتواضع وشجاعة. لذا مهما بدا الأمر صعبًا الآن ، اختاري دائماً المسامحة بدلا من الألم. واسمحي للمغفرة أن تحرّرك.
#محمد_محيميد
#مستشار_تطوير_أعمال
#مهندس_نظم_المعلومات
#الكوتش_والمدرب
#مستشار_الكايزن_والإدارة_الرشيقة