تحريــر : د/رؤى الطريفي
الكلمة
طال الغياب..
نعم، أعلم ذلك، و لكني أفضل أن أغيب عنكم على أن أحدثكم بما لا ينفع.. كنت لفترة أبحث عن موضوع لمقال ما وليس ذلك لانعدام المواضيع، لكن لأني ما تعودت الاستسهال و الكتابة من أجل الكتابة..
لأكتب مقالاً واحداً أقضي وقتاً طويلاً في البحث و التقيب عن المعلومات و وجهات النظر المختلفة كي أستطيع أن أدلو بدلوي مع الدلاء..
فالكلمة مسؤولية.. و شرف القلم كشرف العذراء يجب الحفاظ عليه، أن يمنحك الله القدرة على صياغة الكلام، فهذه محنة و امتحان، فبالكلمات تبنى و تهدم أمم، تصنع و تفنى حضارات، تُملأ عقول و تُفرغ أخرى
و كما قال عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحية(الحسين ثائراً..الحسين شهيداً
(الكلمة لو تعرف حرمة..
زاد مذخور..
الكلمة نور..
و بعض الكلمات..
قبور)
من أصعب الالتزامات في هذه الحياة (الكلمة).. و كثرت في ذلك أقوال القدماء.. يقول أهلنا في السودان (الراجل بيمسكوه من لسانو)، و هذا يشبه ما قاله الشرقاوي في المسرحية التي ذكرتها سابقاً (شرف الرجل هو الكلمة)
وقد درجت العرب فيما مضى على التزام الرجل بكلمته لدرجة إقامة حروب لمجرد الوفاء بالكلمة.
وفي القرآن العظيم قال المولى عز و جل (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) سورة الكهف الآية (5) في إشارة واضحة لعظم بشاعة الكلمة السيئة
و سيدنا المصطفى الكريم صلوات ربي و سلامه عليه يقول في حديث أبي هريرة أَنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ ﷺ يَقُولُ: (إنَّ الْعَبْد لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مَا يَتَبيَّنُ فيهَا يَزِلُّ بهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بيْنَ المشْرِقِ والمغْرِبِ).
وَعَنْهُ عن النبيّ ﷺ قَالَ: (إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالى مَا يُلقِي لهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّه بهَا دَرَجاتٍ، وَإنَّ الْعبْدَ لَيَتَكلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقي لهَا بَالًا يهِوي بهَا في جَهَنَّم) رواه البخاري.
و في حديث آخر عَنْ أبي عَبْدِالرَّحمنِ بِلال بنِ الحارثِ المُزنيِّ أنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قالَ: (إنَّ الرَّجُلَ ليَتَكَلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوانِ اللَّهِ تَعالى مَا كَانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بلَغَتْ يكْتُبُ اللَّه لَهُ بهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يلْقَاهُ، وَإنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمةِ مِنْ سَخَطِ اللَّه مَا كَانَ يظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بلَغَتْ يكْتُبُ اللَّه لَهُ بهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يلْقَاهُ).
و في حديث سُفْيان بنِ عبْدِاللَّهِ قَال: قُلْتُ يَا رسُولَ اللَّهِ حَدِّثني بأمْرٍ أعْتَصِمُ بِهِ قالَ: قُلْ ربِّي اللَّه، ثُمَّ اسْتَقِمْ قُلْتُ: يَا رسُول اللَّهِ مَا أَخْوفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَال: هَذَا.
لماذا كلّ هذا التشديد على (الكلمة) ماهي مجرد (كلمة لا بتودي و لا بتجيب) و قد تكون غير مقصودة أساساً، هنا تكمن الكارثة و دي ذكرها سيدنا النبي في الأحاديث( ما يلقي لها بالاً) كلمة تقال فتبني بيتاً و أخرى تهدم بيتاً، بكلمة واحدة الانسان يستطيع أن يكسر قلب آخر و ينهي حياته بالمعنى الفعلي وليس المجازي..
فالكلمة حقاً مسؤولية؟ وأنا في هذا المقال أريد أن أقول أن الكلمة (مقروءة أو مسموعة أو مرئية) هي سلاح خطير جداً، بل إنها لتكاد تكون أشد خطورة من الأسلحة النووية و البايولوجية معاً.
لذا فأعلم -يا هداك الله- أن الله إن أقامك في مقام كلمة، فقد وضع على عاتقيك مسؤوليتها، وإن هيأ لك أسبابها فقد امتحنك فإما أن تحمل وزرها أو أن تلقى ثوابها..
السوشيال ميديا اليوم باب كبير، سهل الولوج، مفتوح على مصراعيه، تدلف منه إلى كل العقول، فإما أن تساهم في إنارتها أو أن تزيدها خراباً على خرابها، فلنتذكر هذا جيداً و لنحسب ألف مرة قبل النشر و التصوير و الكلام.
#إسورة_فضة:
كلمتي المست غرورك وفرقتنا ياحبيبي
مش خلاص كفرت عنها بتسهدي وبنحيبي
#إسورة_ذهب:
ما شرف الرجل سوى الكلمة!!